المقصود من الحضارة الإسلامية مجموعة الجهود و المساعي التي قام بها علماء الإسلام وأدّت الى نظريات ناجحة في مجال العلم والتکنولوجيا على المستوى العالمي. نعم لقد سيطرت الحضارة الإسلامية من القرن الثالث الهجري إلى القرن الخامس الهجري على عالم العلوم، و کانت القاعدة الفکرية للبشرية خلال تلک الفترة.
أمّا الوجهة الإنسانية للحضارة الإسلامية فکانت ساطعة في ظاهرها المعطاء الخدوم حيث شمل محيطها الواسع کافة الجوانب المادية و المعنوية بکل ما تعنيه هاتان الکلمتان من معان رحبة. و بناءً على هذا قال علماء التاريخ الحضاري: «لم تظهر على وجه البسيطة حضارة منحت البشرية ما منحتها حضارة الاسلام» يعني: لم تظهر حضارة قدّمت نتاجها العلمي و اختراعاتها و اکتشافاتها لخدمة البشرية و بمصداقية تامة کالحضارة الاسلامية.
کما لم يشاهد العالم أيّ حضارة مثل الحضارة الإسلامية التي کرّست نفسها و علماءها لترويج و تيسير الحضارة و التقدم و الازدهار مع الأخذ بنظر الاعتبار حاجة العلم المعنوية و المادية بتنسيق بارع و بغاية الدقّة و الحذاقة.
و إذا نظرنا نظرة جليّة لنتاجات واکتشافات و اختراعات العلماء و الباحثين و المخترعين المسلمين. نلاحظ أنهم تمسّکوا بقاعدة الاتّزان في مجموع المؤثرات الخارجية على الکائن الحي في البيئة، أو بعبارة أُخرى حافظوا و بشکل جدير بالاحترام و التقدير على سلامة البيئة و الابتعاد عمّا يلحق بالکائنات الحية و المحيط البيئي أي خطر يُهدد السلامة العامّة و الطبيعة الخلابة التي نعيش فيها جميعاً و التزموا بعدم إحلال الخراب و التهديم مّما لا طاقة للبشر و الشجر و الأثر به؛ وسبب هذا هو أنّ الحضارة الاسلامية بنيت على أُسس سماوية و أصول معنوية ربانية.
يعني أَنَّ الاسلام يعتبر التفکرّ، و النتاج العلمي، و الاکتشافات، و الاختراعات و کل عمل ابتکاري نُفـِّذ َ بقصد القربة إلى الله نوعاً من انواع العبادة.
نعم إنّ المخترع و المکتشف المسلم الذي يقدم نتاجه العلمي خدمة للناس قد وضع لبِنةً في جدار الحضارة وزاد الاسلام عزّة و نفسه عبادة و اکتسبت کلّ هذه الأمور صبغة إلّهيةً.
و لهذا يجب التصريح بأنّنا لم نجد في الحضارات التي سادت العالم مُنذ أقدم العصور إلى يومنا هذا حضارة تساوي أو تماثل أو تشابه الحضارة الاسلامية ذات الصبغة المعنوية الإلّهية و الصبغة الإنسانية، و کذلک اهتمامها اللامتناهي بالبيئة و محل حياة البشر و حماية الشعوب من ويلات المعارک و الحروب، و نتيجة هذا شمولية و سيادة هذه الحضارة الفذة الفريدة.
نحن على ثقة أنَّ الحضارة الإسلامية الحديثة المقامة على مقوّمات جديدة مستمدة تعاليم الحضارة الاسلامية السالفة سَتَعمُّ المعمورة و تسعف العالم بخدماتها الجليلة و تهدي الشعوب إلى الکمال المعنوي و الحياة السعيدة إن شاء الله.